إحتضار وموت
دخل رجل على آخر وهو فى الغمرات يعانى عظيم السكرات يغمى
عليه مرة ويفيق أخرى .. فى نفسه لهيب من الزفرات وفى قلبه ندم
وحسرات .. فقد كان منهمكا فى دنياه متخلفا عن طاعة مولاه
فقال له : يا أخى تب الى الله وارجع عسى المولى أن يشفيك من
ألمك ويعافيك من مرضك وسقمك ويتجاوز بكرمه عن ذنبك
فقال :هيهات هيهات ! قد دنا ما هو آت
.. وإنى ميت لا محالة وسألقى
جزاء من عصى مولاه وآثر شهوته وهواه .. كم عصيت الله والله
يستر .. وكم كسرت باب نهيه ويجبر .. وكم استقطرت من عينى
دموع الخشية ولم أقطر .. وكم طلب منى الوصل بالطاعة وأنا أفر
وأهجر .. خدعتنى الدنيا وكأنى لا أسمع ولا أبصر .
يا أخى لقد أردت أن أتوب مما جنيت ولكنى أشعر بملك الموت
يأتينى من زاوية البيت .. وتغرغرت عيناه بالدموع وهو يقول :
طويت الصحف وجفت الأقلام سبحانه وتعالى هو الغفور وأنا
العاصى هوالرحيم وأنا الجانى
********
الغفلة و طول الأمل
يا من امتطى بجهله كل المطايا .. لقد ملأ الوعظ كل المسامع .. لقد
طال المدى فأَين المدامع .. تغتر بالدنيا ولا تتذكر هجوم الأجل ..
تماطل بالطمع فى بلوغ الأمل ..
كم من يوم قطعته بالتسويف .. وكم من سبب أضعت فيه التكليف ..
تطلب من الدنيا ما لا تدركه وإن أدركته فلن تملكه ! وإن ملكته
فلسوف تتركه ! الموعظة لا تنفعك والحوادث لا تردعك ! السعيد
من وعظ فتاب واستغفر .. والشقى من اتبع الشيطان فأصر
واستكبر .. لقد آذنتنا الدنيا بالذهاب تحذرنا من يوم المآب ..
أنظر كم سلبت الدنيا أقواما وتفكر فى حالهم وتدبر أحوالهم وتيقن
أنك لاحق بهم .. كم أملت أملا فانقضى الزمان وفاتك و ما أراك
تفيق حتى تلقى وفاتك ..هاهى المنازل فأين من كان ساكنوها ..
وهاهى بقاع الأرض أين من كان قاطنوها .. هاهى مواطن الأَبرار
أَين من كان عامروها ..
الدنيا حلالها حساب وحرامها عقاب .. من استغنى بها فتن ومن
افتقر إِليها حزن ومن سعى لها فاتته ومن نأى عنها أَتته ومن نظر
إِليها أعمته ..
كل ما على الأرض للتراب .. وكل ما بنيت فمآله إلى الخراب ..
ولن يبقى إلا العمل الصالح هو المدخر لك فى يوم الحساب ..
ولتبادر يا من درجت على الخطايا والعصيان بالتوبة قبل فوات
الأوان بادر بالتوبة من الذنوب وقيد النفس بالزمام فقد تبيت فى
عافية وتصبح فى هاوية .. آن أوان الرجوع والإستغفار .. آن
الأوان للإقلاع عن الذنوب والأوزار .. إغسل وجهك بقطرات
الدموع .. وغطه بأردية التذلل والخضوع
يقول الله جل علاه
( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ )
واحسرتاه إن لم ننج من عذاب الله ..
حاسب نفسك فى خلوتك واعمل لوقت شدتك وتدبر قبل كل فعل ما
يملى فى صحيفتك .. إحذر زلل قدمك وخف طول ندمك واغتنم
وجودك قبل عدمك .. تفكر فى الحشر والميعاد وتنبه ليوم تقوم فيه
الأشهاد .. عمر مضى كثيره وقدم ما يزال تعثيره .. وواعجبا إن
كان العتاب لاينفع أوالنداء لايسمع أو كنت ذو قلب لا يخشع أو كنت
جامد العين والعين لا تدمع ..
فطوبى لمن فاز برضوان الله وويل لمن باء بسخط من الله
لقد رقت دموع العين حتى كأنها دموع دموعى لا دموع جفونى ..
*********************************************