قصه حقيقية من بريد الاهرام
أ - خيري رمضان
غلطة العمر
لا أقصد من رسالتي هذه أن أكفر عن ذنبي فقط, أو أعلن عن خطيئتي وندمي وتوبتي, ولا أن أحذر كل فتاة مما تعرضت له, نعم أنا أريد وأتمني من قلبي كل هذا, ولكني أمد يدي مستجيرة بك لعلك تنقذني من الضياع الذي يجرفني ويشدني كما الموج القاسي, وبعد أن أغراني بالعوم والسعادة, يدعوني إلي السقوط في الأعماق.
حتما لا أريد أن أضع أمامك ألغازا, ولكنها حالتي المتشابكة, غلطة عمري الغائم, هي التي تصعب علي البوح والاعتراف. وليشهد الله علي أن كل كلمة أقولها هنا صادقة, ولم أحذف من حكايتي إلا ما يخدش الحياء, ومن حقيقتي إلا تغيير بعض المعلومات التي قد تكشف عن شخصيتي.
ولأبدأ بمن أنا, لعل هذا يفسر لك, لماذا أخطأت, وأقول يفسر ولا يبرر, فالفرق بينهما كبير!
أنا فتاة عمري28 عاما, تربيت في أسرة بسيطة, أب موظف شريف, وأم متعلمة كانت تعمل ــ حتي سنوات قريبة ــ في وظيفة معقولة, أعانت أبي في رحلة كفاحه. لي شقيق يكبرني بخمس سنوات, وشقيقة تسبقني بعامين, كما تتفوق علي في الجمال وفي نوع الكلية التي تخرجت فيها.
إذن أنا الصغري, وإن لم أكن المدللة, فلم أكن متفوقة في دراستي منذ صغري, علي عكس شقيقتي, أضف إلي هذا فارق الجمال بيني وبين شقيقتي, هذا الفارق الذي كان يثير في نفسي الغيرة والغضب بسبب التعليقات السخيفة التي كنت أسمعها طوال عمري من الأهل والجيران والأصدقاء, تخرج شقيقي في الجامعة ووفقه الله بالسفر إلي الخليج بعد تخرجه بسنوات قليلة, وعاد ليتزوج ويعود بزوجته ليمن عليه الله بالذرية الصالحة. ولم يطل بقاء شقيقتي بعد تخرجها, فتزوجت هي الأخري وانتقلت إلي حياة أفضل وأنجبت طفلة جميلة مثل أمها.
بقيت أنا وحدي, بمؤهلي الجامعي المرطرط مع أمي الطيبة وأبي الذي خرج علي المعاش.. بحثت كثيرا عن وظيفة مدرسة, سكرتيرة, أي شئ, ولكني فشلت.
هل تعرف سيدي معني أن تجلس فتاة متخرجة في الجامعة, متوسطة الجمال, لاتعمل, مع أبوين علي المعاش, في منطقة شعبية؟
معناه ملل علي ملل, وإحباط ويأس ووحدة.. معناه عنوسة وإحساس بالفشل ووجع من كل نظرة عطف أو شفقة أو دعاء بالعدل من أمي أو قريباتي.
غرفتي هي ملاذي الوحيد, مع جهاز كمبيوتر وكاسيت يمنيني بالحب وأوهام السعادة مع فارس تؤكد لي الأيام التي تتسرب أمام عيني أنه لن يأتي أبدا!
مللت من ألعاب الكمبيوتر, ومن كل الأفلام القديمة والجديدة, وهربت من قراءة القصص العاطفية ولم يبق أمامي إلا هو!.. كان شيء ما يباعد بيني وبينه, ربما الخوف من المجهول أو تربيتي الدينية أو من ضعفي, ولكن ذهبت إليه, إلي عالم النت, إلي الشات, ليس بحثا عن متعة أو إثارة, ولكنه الملل ياسيدي.
نصحتني صديقتي أن أسلي نفسي, وألا أكشف عن شخصيتي ففعلت!
أختي العالية.. أعجبني أسلوبك في الكتابة.. يشرفني إضافتي علي إيميلك.. الوحيد المعذب, جملا طاردتني وأغرتني, حتي إخترت أكثرهم أدبا وذكاء.. كان ناعما مثل جلد الأفعي.. نجح في فهمي بسرعة شديدة, احتواني, منحني الأمان, فاستسلمت تماما له.
سيدي.. لك أن تتصور مدي حرصي, تراجعي, ولكني فجأة أصبحت منشغلة بشخص يهتم بي, يسليني ويسمعني. طبعا في البداية لم أكشف له عن شخصيتي, أما هو, وثقة بي, ولأنه بدأ يتعلق بي ووجد في فتاة أحلامه, عرفني بنفسه, محام أعزب, عمره38 عاما, غير متزوج, يعيش في شقة فاخرة بمفرده, يبحث عن بنت الحلال. الطبيعي أن أري في نفسي هذه العروس التي أوشكت ــ إن لم تكن ــ تصبح عانسا, ولأنه ماهر ومحترف, ترك لي هاتفه كما ترك لي حرية الاتصال به والكشف عن شخصيتي, ولم ينتظر طويلا. أيام قليلة وأصبح يعرف عني كل شيء.
كان محترما لأقصي حد.. لم ينطق بكلمة واحدة خارجة, ولكنه بدأ في الإلحاح بأن يراني, كما رأيته, فقد أرسل لي صورة عبر الإيميل الخاص بي, فاستجبت له, وأرسلت له صوري. لم أصدق نفسي وأنا أسمع كلمات الإطراء منه, لأول مرة أسمع جملة أنت أجمل فتاة رأيتها, لاتغيب عن أذني كلماته التي تصف جمال عيني أو براءة ضحكتي.. كلمات لم أسمعها من قبل, كانت تجعلني مثل قطعة الثلج التي تذوب من دفء الشمس.
ها أنا ولأول مرة في مواجهة نفسي: أنثي.
تغيرت حياتي كما تغيرت ملامح وجهي وأصبحت مرآتي أكثر جمالا.. خشيت علي سري فلم أحك حتي لصديقتي. بدأ يعلمني أشياء لم أكن أعرفها, لا أنام إلا علي صوته وهو يدغدغ مشاعري فيجعلني أشعرللمرة الأولي بجسدي.
خطوته التالية كانت شديدة القسوة, اختفي تماما, لا يرد علي الهاتف, ولا يظهر علي شاشة النت. فقدت صوابي وبكيت كما لم أبك من قبل, لماذا يختفي بعد أن يحادثني عن الزواج وعن حياتنا القادمة.
وكما اختفي فجأة, ظهر فجأة, وحكي لي أسبابا تبدو لأي عاقل كاذبة ومختلقة, ولكني كالمنومة صدقته وقبلتها, ولكن وهذا هو الأهم, صرت لعبة في يديه, يفعل بي ما يشاء. طلب مني أن أشتري ويب كام حتي نري بعضنا البعض ونتحادث, خاصة أني رفضت أن ألتقي به وهو لم يضغط علي, بل أكد لي أن هذا زاده احتراما لي.
أراك ـ سيدي ـ فهمت ما حدث بعد ذلك, نعم حدث ما قد تتخيله أنت وقراؤك.. مكالمات وضحكات وحنان وكلام دافيء وأجواء مثيرة وتحرر متدرج من الأفكار كما من الملابس.. كنت أسيرة له, أفعل ما يريد, وربما كنت أحتاج إليه, كنت أرضيه.. ربما.. في البداية ندمت وعاتبته واعتذر لي, ثم عدنا, وكان طلبه التالي أن أذهب إليه في شقته ولكني رفضت بإصرار.
شيء ما تغير بدأ يلفت انتباهي, نبرة صوته أصبحت أكثر جفافا.. الحديث عن الزواج أصبح يثير سخريته, غيابه أصبح أمرا عاديا, فإذا عاتبته سمعت ما لا يرضي أحدا.. قلت له سنقطع علاقتنا ففاجأني: في ستين داهية.
انهرت يا سيدي أياما, لا أفارق غرفتي, ولا أستجيب لسؤالات أمي أو توسلاتها بأن أخرج للجلوس معها ومع والدي. تمنيت أن تعود حياتي إلي ما قبل معرفته, فقد كانت جنة مقارنة بما أنا فيه.
لم أفق مما أنا فيه إلا علي صدمة أكبر, فوجئت برسالة منه علي إيميلي, فتحتها لأجد كارثة, إنها مشاهدي وأنا عارية.. لم أصدق نفسي انتهيت, سارعت بالاتصال به, وقبل أن أصرخ فيه, وبصوت ثلجي بادرني: إيه رأيك في القمر ده, سببته و.. قبل أن أكمل فوجئت به يطلب مني مبلغ5 آلاف جنيه, وإلا أرسل هذه المشاهد لكل المواقع, توسلت إليه, رجوته أن يمحوها ويتركني في حالي, ولكنه كان قذرا, وحتي لا أطيل عليك ولأني أوشكت الآن وأنا أكتب رسالتي علي السقوط, بعت بعض مجوهراتي, وأرسلت إليه المبلغ المطلوب في حوالة بريدية, معتقدة أن الأمر قد انتهي عند هذا الحد.
لكن المفزع هو ما حدث منه بعد ذلك!!.. اتصل بي وهددني اذا لم أذهب إليه في شقته سيرسل سي دي عليه صوري ومشاهدي إلي والدي في البيت, ولك أن تتخيل ما حدث لي بعد فشلي في إقناعه بأن يتركني حتي لا أقتل نفسي, ولكني كنت أتحدث إلي إنسان بلا قلب رجل ميت الضمير.
سيدي.. لقد طلبت منه أن يمهلني أياما حتي يذهب والدي عند شقيقتي, وإن كنت لن أفعل ذلك حتي لو انتحرت, فالموت كافرة أفضل عندي بكثير من أن أرتكب هذه الخطيئة.
أعرف أني أخطأت, وخطأي كبير, ولكني أستجير بك, انقذني, ارشدني ماذا أفعل مع هذا الذئب, فقد أوشكت علي الجنون من عدم النوم, والخوف القاتل, هل أنتحر, أهرب من البيت, أم أقتله حتي لا يفعل ذلك مع أخريات وإن كنت أثق في أني لم أكن الضحية الأولي ولن أكون الأخيرة!
{سيدتي.. أخطاؤنا حتما هي نتائج لمقدمات طويلة تنتج عبر السنين في تفاصيل تبدو في وقتها صغيرة وقد تكون عظيمة التأثير والضرر.
وفي قصتك ما يكشف عن هذا, وما ينير الطريق للآباء كي يلتفتوا إلي أسلوب تعاملهم مع أبنائهم خاصة في سني عمرهم الأولي.. فعلي الرغم من نشأتك وسط أسرة متوسطة الحال, مكافحة, نجحت في تربية ثلاثة من الأبناء وإلحاقهم بمراحل التعليم المختلفة حتي المرحلة الجامعية. ولكن يبدو أن صعوبة الحياة وانشغال الأبوين لتوفير ضروراتها, حالت دون الالتفات إلي تفاصيل أخري لا تقل عن التعليم أهمية, وهي بناء جسور الثقة داخل الأبناء, مثلما حدث معك, فمن الواضح أن الفارق في الشكل بينك وبين شقيقتك كان مثار تعليقات متكررة تركت أثرها السييء والسلبي في نفسك منذ الصغر, فهدمت ثقتك بنفسك, ودفعتك إلي إهمال دراستك وكأنك تعاقبين الجميع علي رؤيتهم وإهمالهم لك.
كثير من الآباء والأمهات يفعلون ذلك غالبا عن دون قصد ولا يلتفتون إلي أن مثل هذه السلوكيات تهزم الأبناء وتخلخل جدران صلابتهم الداخلية, فتضعف مناعتهم الانسانية في الكبر, فلا يستطيعون مواجهة الحياة خاصة عندما تقسو, ويصبحون فرائس سهلة للذئاب التي تنقض علي أمثالهم بكل يسر وبلا أي ضمير.
هذا لا يعني تبريرا للخطأ ـ كما قلت في بداية رسالتك ـ ولكنه تفسير لما آلت إليه حياتك, وإن تشابهت المقدمات فهذا لا يعني حتما تشابه النتائج, فهناك من البشر بما منحه الله من عقل من يتعلم مما عايشه أن ينجو بنفسه ويصلح من عيوبه النفسية ويسعي إلي الارتقاء بمستواه حتي يضع نفسه إلي ما يحب أو يرضي.
ولكنك يا عزيزتي استسلمت لفكرة الفشل, فشل في مستوي التعليم وفشل علي مستوي الشكل الخارجي.. لم تستعيني إلي تنمية نفسك انسانيا بالبحث عن مواطن الجمال في داخلك, عن قيمتك كإنسانة, ولا تطوير نفسك علي المستوي المهني بمحاولة دراسة جديدة مثل اللغات أو السكرتارية تتيح لك فرص عمل أكثر, وبالتالي فرص الالتقاء ببشر قد يكون بينهم شريك الحياة المنتظر. فلا جدوي من الجلوس في غرفة مغلقة, ولا يتساوي أبدا اليأس مع الكفاح والأمل, وإذا كانت نتائج اليأس معروفة, فإن أقل مكاسب الأمل أفضل بكثير.
سيدتي.. لا أعتقد أنك تحتاجين مني أو من غيري الحديث عن أخطائك المتتالية وسوء استخدامك للتكنولوجيا, والتي كان يمكن أن تساعدك بصورة إيجابية في التثقيف أو البحث عن عمل أو التواصل الإيجابي مع الآخرين. وأعتقد أن في قصتك عبرا ودروسا كافية ـ بدون تعليق ـ لكل فتاة أو شاب, في أي مرحلة عمرية, أعزب أو متزوجا, كي يحذر أو يراجع نفسه إذا كان قد أقدم, فلدي مثل قصتك العديد والتي دفع أصحابها من الجنسين أثمانا فادحة. ولا أريد أيضا التوقف طويلا أمام هذا الذئب الذي يعتقد أنه أقوي من الآخرين, ينقض علي فريسته عندما يري الطريق خاليا, ولكنه لا يعرف أن مصيره هو السجن إذا لم يكن الموت, فكثيرون دفعوا حياتهم ثمنا لمثل هذه الأفعال ولتشهد علي ذلك صفحات الحوادث في الصحف.
عزيزتي, لا تستسلمي لهذا الذئب, وسارعي بالتوجه إلي الادارة العامة للمعلومات والتوثيق بوزارة الداخلية, وثقي بأنك ستكونين في مأمن, سيحفظون سرك وسيصلون إلي المجرم بأسرع مما تتوقعين وسيدفع جزاء ما ارتكب, فلا تتأخري ولا تترددي, فإذا خفت أو عجزت عن ذلك, أرجو أن تبادري بالاتصال بي لأكون حلقة الوصل مع وزارة الداخلية. وبعد خروجك من هذه الأزمة ـ بإذن الله ـ سيكون لنا كلام آخر فيما هو قادم من الأيام.